فصل: فَرْعٌ (ما نزل بمكة والمدينة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فَرْعٌ (ما نزل بمكة والمدينة):

أَخْرَجَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقَدٍ، قَالَ‏: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ‏: أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}. وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِهَا (الْمُؤْمِنُونَ). وَيُقَالُ (الْعَنْكَبُوتُ)‏. وَأَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}. وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِهَا {بَرَاءَةٌ} وَأَوَّلُ سُورَةٍ أَعْلَنَهَا رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ (النَّجْمُ)‏.
وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَابْنِ حَجَرٍ‏: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَفِي دَعْوَى الَاتِّفَاقِ نَظَرٌ، لِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَذْكُورِ‏.
وَفِي تَفْسِيرِ النَّسَفِيِّ عَنِ الْوَاقِدِيّ: أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ (الَقَدْرِ)‏.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ أَبْيَضَ فِي جُزْئِهِ الْمَشْهُور: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عُبَيْدُ الِلَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ الْأَزْدِيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ‏:
أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، ثُمَّ {ن وَالْقَلَمِ}، ثُمَّ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ثُمَّ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ثُمَّ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}، ثُمَّ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، ثُمَّ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، ثُمَّ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، ثُمَّ وَالْفَجْرِ، ثُمَّ وَالضُّحَى، ثُمَّ {أَلَمْ نَشْرَحْ}، ثُمَّ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ الْكَوْثَرَ، ثُمَّ {أَلْهَاكُمُ}، ثُمَّ {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ}، ثُمَّ الْكَافِرُونَ، ثُمَّ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ}، ثُمَّ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، ثُمَّ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثُمَّ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ثُمَّ وَالنَّجْمِ، ثُمَّ عَبَسَ، ثُمَّ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}، ثُمَّ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، ثُمَّ الْبُرُوجَ، ثُمَّ وَالتِّينِ، ثُمَّ لِإِيلَافِ، ثُمَّ الْقَارِعَةَ، ثُمَّ الْقِيَامَةَ، ثُمَّ {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ}، ثُمَّ وَالْمُرْسَلَاتِ، ثُمَّ (ق)، ثُمَّ الْبَلَدُ، ثُمَّ الطَّارِقُ، ثُمَّ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}، ثُمَّ (ص)، ثُمَّ الْأَعْرَافَ، ثُمَّ الْجِنَّ، ثُمَّ يس، ثُمَّ الْفُرْقَانَ، ثُمَّ الْمَلَائِكَةَ، ثُمَّ كهيعص، ثُمَّ طه ثُمَّ الْوَاقِعَةَ، ثُمَّ الشُّعَرَاءَ، ثُمَّ طس سُلَيْمَانَ، ثُمَّ طسم الْقِصَصِ، ثُمَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ التَّاسِعَةَ- يَعْنِي يُونُسَ- ثُمَّ هُودًا، ثُمَّ يُوسُفَ، ثُمَّ الْحِجْرَ، ثُمَّ الْأَنْعَامَ، ثُمَّ الصَّافَّاتِ، ثُمَّ لُقْمَانَ، ثُمَّ سَبَأً، ثُمَّ الزُّمَرَ، ثُمَّ حم الْمُؤْمِنِ، ثُمَّ حم السَّجْدَةِ، ثُمَّ حم الزُّخْرُفِ، ثُمَّ حم الدُّخَانِ، ثُمَّ حم الْجَاثِيَةِ ثُمَّ حم الْأَحْقَافِ ثُمَّ الذَّارِيَاتَ، ثُمَّ الْغَاشِيَةَ، ثُمَّ الْكَهْفَ، ثُمَّ حم عسق، ثُمَّ تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ، ثُمَّ الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ النَّحْلَ أَرْبَعِينَ وَبَقِيَّتَهَا بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ {إِنَّا أَرْسَلَنَا نُوحًا}، ثُمَّ الطَّوْرَ، ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ، ثُمَّ تَبَارَكَ، ثُمَّ الْحَاقَّةَ، ثُمَّ سَأَلَ، ثُمَّ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}، ثُمَّ {وَالنَّازِعَاتِ}، ثُمَّ {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}، ثُمَّ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، ثُمَّ الرُّومَ، ثُمَّ الْعَنْكَبُوتَ، ثُمَّ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فَذَاكَ مَا أُنْزِلَ بِمَكَّةَ‏.
وَأُنْزِلَ بِالْمَدِينَة: سُورَةَ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ آلَ عِمْرَانَ، ثُمَّ الْأَنْفَالَ، ثُمَّ الْأَحْزَابَ، ثُمَّ الْمَائِدَةَ، ثُمَّ الْمُمْتَحَنَةَ، ثُمَّ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الِلَّهِ} ثُمَّ الْحَجَّ، ثُمَّ الْمُنَافِقُونَ، ثُمَّ الْمُجَادَلَةَ، ثُمَّ التَّحْرِيمَ، ثُمَّ الْجُمُعَةَ، ثُمَّ التَّغَابُنَ، ثُمَّ سَبَّحَ الْحَوَارِيِّينَ، ثُمَّ الْفَتْحَ، ثُمَّ التَّوْبَةَ، ثُمَّ خَاتِمَةَ الْقُرْآنِ‏.
قُلْتُ‏: هَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ، وَفِي هَذَا التَّرْتِيبِ نَظَرٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ بالْقُرْآنِ‏، وَقَدِ اعْتَمَدَ الْبُرْهَانُ الْجَعْبَرِيُّ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي سَمَّاهَا‏: تَقْرِيبُ الْمَأْمُولِ فِي تَرْتِيبِ النُّزُولِ، فَقَالَ‏:
مَكِّيُّهَا سِتٌّ ثَمَانُونَ اعْتَلَتْ ** نُظِمَتْ عَلَى وَفْقِ النُّزُولِ لِمَنْ تَلَا

اقْرَأْ وَنُونٌ مُزَّمِّلٌ مُدَّثِّرٌ ** وَالْحَمْدُ تَبَّتْ كُوِّرَتِ الْأَعْلَى عَلَا

لَيْلٌ وَفَجْرٌ وَالضُّحَى شَرْحٌ وَعَصْـ ** ـرُ الْعَادِيَّاتِ وَكَوْثَرٌ أَلْهَاكُمْ تَلَا

أَرَأَيْتَ قُلْ بِالْفِيلِ مَعْ فَلَقٍ كَذَا ** نَاسٌ وَقُلْ هُوَ نَجْمُهَا عَبَسٌ جَلَا

قَدْرٌ وَشَمْسٌ وَالْبُرُوجُ وَتِينُهَا ** لِإِيلَافِ قَارِعَةً قِيَامَةَ أَقْبَلَا

وَيْلٌ لِكُلِّ الْمُرْسَلَاتِ وَقَافُ مَعْ ** بَلَدٌ وَطَارِقُهَا مَعَ اقْتَرَبَتْ كِلَا

صَادٌ وَأَعْرَافٌ وَجِنٌّ ثُمَّ يَا ** سِينٌ وَفُرْقَانٌ وَفَاطِرٌ اعْتَلَى

كَافٌ وَطه ثُلَّةُ الشِّعْرِ وَنَمْـ ** ـلُ قَصُّ الْإِسْرَا يُونُسُ هُودٌ وَلَا

قُلْ يُوسُفُ حِجْرٌ وَأَنْعَامٌ وَذَبْـ ** ـحٌ ثُمَّ لُقْمَانُ سَبَأْ زُمَرٌ خَلَا

مَعَ غَافِرٍ مَعَ فُصِّلَتْ مَعَ زُخْرُفٍ ** وَدُخَانُ جَاثِيَةٍ وَأَحْقَافٌ تَلَا

ذَرَوٌ وَغَاشِيَةٌ وَكَهْفٌ، ثُمَّ شُو ** رَى وَالْخَلِيلُ وَالْأَنْبِيَاءُ نَحْلٌ حَلَا

وَمَضَاجِعٌ نُوحٌ وَطُورٌ وَالْفَلَا ** حُ الْمُلْكِ وَاعِيَةٌ وَسَالَ وَعَمَّ لَا

غَرَقٌ مَعَ انْفَطَرَتْ وَكَدْحٌ، ثُمَّ رُو ** مُ الْعَنْكَبُوتِ وَطُفِّفَتْ فَتَكَمَّلَا

وَبِطَيِّبَةٍ عِشْرُونَ ثُمَّ ثَمَانٌ الطُّو ** لَى وَعِمْرَانٌ وَأَنْفَالٌ جَلَا

لِأَحْزَابِ مَائِدَةِ امْتِحَانٌ وَالنِّسَا ** مَعَ زُلْزِلَتْ ثُمَّ الْحَدِيدِ تَأَمَّلَا

وَمُحَمَّدٌ وَالرَّعْدُ وَالرَّحْمَنُ الْإِنْسَـ ** ـانُ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَكُنْ حَشْرٌ مَلَا

نَصْرٌ وَنُوحٌ ثُمَّ حَجَّ وَالْمُنَا ** فِقُ مَعْ مُجَادَلَةٍ وَحُجْرَاتٍ وَلَا

تَحْرِيمُهَا مَعَ جُمْعَةٍ وَتَغَابُنٍ ** صَفٌّ وَفَتْحٌ تَوْبَةٌ خُتِمَتْ أُولَى

أَمَّا الَّذِي قَدْ جَاءَنَا سَفَرِيُّهُ ** عُرْفِيٌ اكْمَلْتُ لَكُمْ قَدْ كُمِّلَا

لَكِنْ إِذَا قُمْتُمْ فَجَيْشِيٌّ بَدَا ** وَاسْأَلْ مَنَ ارْسَلْنَا الشَّآمِيُّ اقْبَلَا

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ انْتَمَى جُحْفِيُّهَا ** وَهُوَ الَّذِي كَفَّ الْحُدَيْبِيُّ انْجَلَى

.فَرْعٌ فِي أَوَائِلَ مَخْصُوصَةٍ:

أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي الْقِتَالِ مِنَ الْقُرْآن: رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَال: {أُذِنَ لِلَّذِينِ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الْحَجّ: 39].
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ بِالْمَدِينَة: {‏وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الِلَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ‏} [الْبَقَرَة: 190].
وَفِي الْإِكْلِيلِ لِلْحَاكِم: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي الْقِتَال: {‏إِنَّ الِلَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ‏} [التَّوْبَةَ: 111].
أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي شَأْنِ الْقَتْل: آيَةُ الْإِسْرَاءِ {‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا‏} الْآيَةَ [33] أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الضَّحَّاك.
أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي الْخَمْرِ مِنَ الْقُرْآن: رَوَى الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «نَزَلَ فِي الْخَمْرِ ثَلَاثُ آيَاتٍ: فَأَوَّلُ شَيْءٍ: {‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ‏} الْآيَةَ [الْبَقَرَةُ: 219] فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فَقَالُوا‏: يَا رَسُولَ الِلَّهِ، دَعْنَا نَنْتَفِعْ بِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ؛ فَسَكَتَ عَنْهُمْ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {‏لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى‏} [النِّسَاء: 43] فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَالُوا‏: يَا رَسُولَ الِلَّهِ، لَا نَشْرَبُهَا قُرْبَ الصَّلَاةِ، فَسَكَتَ عَنْهُمْ، ثُمَّ نَزَلَتْ: {‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ‏} [الْمَائِدَة: 90]، فَقَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ».
أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ: آيَةُ الْأَنْعَامِ {‏‏قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا‏‏} [145]، ثُمَّ آيَةُ النَّحْلِ {‏فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا‏} [114] إِلَى آخِرِهَا‏. وَبِالْمَدِينَةِ آيَةُ الْبَقَرَةِ {‏إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ‏} الْآيَةَ [173]، ثُمَّ آيَةُ الْمَائِدَةِ {‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ‏} الْآيَةَ [3] قَالَهُ ابْنُ الْحَصَّارِ‏.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ النَّجْمُ‏.
وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ‏: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِه: {‏لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مُوَاطِنَ كَثِيرَةٍ‏} [التَّوْبَة: 25] قَالَ‏: هِيَ أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةٍ‏.
وَقَالَ أَيْضًا‏: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، نَبَّأَنَا سَعِيدٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ‏: أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ بَرَاءَةٍ: {‏انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التَّوْبَةُ: 41]، ثُمَّ نَزَلَ أَوَّلُهَا، ثُمَّ نَزَلَ آخِرُهَا‏.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ‏: كَانَ أَوَّلُ بَرَاءَةَ: {‏انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} سَنَوَاتٍ، ثُمَّ أُنْزِلَتْ بَرَاءَةٌ أَوَّلُ السُّورَةِ فَأَلْفَتْ بِهَا أَرْبَعُونَ آيَةً‏.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ فِي قَوْلِه: {‏انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} قَالَ‏: هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَرَاءَةٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ تَبُوكٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ، إِلَا ثَمَانٌ وَثَلَاثِينَ آيَةً مِنْ أَوَّلِهَا‏.
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏: أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ آلِ عِمْرَانَ {‏هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ‏} [138]، ثُمَّ أُنْزِلَتْ بَقِيَّتُهَا يَوْمَ أُحُدٍ‏.

.النَّوْعُ الثَّامِنُ: مُعَرَّفَةُ آخَرِ مَا نَزَلَ:

فِيهِ اخْتِلَافٌ، فَرَوَى الشَّيْخَان: عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ‏: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {‏‏يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ‏} [النِّسَاءُ: 176]. وَآخَرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ‏.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا‏.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الِلَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا‏} [الْبَقَرَة: 278]. ‏
وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ، عَنْ عُمَرَ‏: مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ آيَةُ الرِّبَا‏.
وَعِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْه: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ‏: خَطَبَنَا عُمَرُ فَقَالَ‏: إِنَّ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا آيَةُ الرِّبَا‏.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏: آخِرُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآن: {‏وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ‏} الْآيَةَ [الْبَقَرَة: 281]‏.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ نَحْوَهُ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ‏.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ وَالضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.
وَقَالَ‏: الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِه: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنِ ابْنِ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {‏وَاتَّقُوا يَوْمًا تَرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الِلَّهِ‏} الْآيَةَ، وَكَانَ بَيْنَ نُزُولِهَا وَبَيْنَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا‏.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏: آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ كُلِّه: {‏وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الِلَّهِ‏}، وَعَاشَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ تِسْعَ لَيَالٍ، ثُمَّ مَاتَ لَيْلَةَ الَاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ‏.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِثْلَهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ‏: آخِرُ آيَةٍ {‏وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ‏} الْآيَةَ‏.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْفَضَائِلِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ‏: آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْشِ آيَةُ الرِّبَا وَآيَةُ الدَّيْنِ‏.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّب: أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ أَحْدَثَ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْشِ آيَةُ الدَّيْنِ‏. مُرْسَلٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ‏.
قُلْتُ‏: وَلَا مُنَافَاةَ عِنْدِي بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي آيَةِ الرِّبَا: {‏وَاتَّقُوا يَوْمًا‏} وَآيَةُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَتَرْتِيبِهَا فِي الْمُصْحَفِ، وَلِأَنَّهَا فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ فَأَخْبَرَ كُلٌّ عَنْ بَعْضِ مَا نَزَلَ بِأَنَّهُ آخِرٌ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ‏، وَقَوْلُ الْبَرَاء: آخِرُ مَا نَزَلَ: يَسْتَفْتُونَكَ أَيْ: فِي شَأْنِ الْفَرَائِضِ‏.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيّ: طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي آيَةِ الرِّبَا: {‏وَاتَّقُوا يَوْمًا‏} أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هِيَ خِتَامُ الْآيَاتِ الْمُنَزَّلَةِ فِي الرِّبَا، إِذْ هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهِنَّ وَيَجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِ الْبَرَاءِ بِأَنَّ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا جَمِيعًا، فَيَصْدُقُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا آخِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَاهُمَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْآخِرِيَّةُ فِي آيَةِ النِّسَاءِ مُقَيَّدَةً بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوَارِيثِ بِخِلَافِ آيَةِ الْبَقَرَةِ. وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ، الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِمَا فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَعْنَى الْوَفَاةِ الْمُسْتَلْزَمَةِ لِخَاتِمَةِ النُّزُولِ‏. ‏انْتَهَى.
وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ‏: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏} [التَّوْبَة: 128- 129] إِلَى آخِرِ السُّورَة.
وَرَوَى عَبْدُ الِلَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِيٍّ: أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ رِجَالٌ يَكْتُبُونَ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةٍ: {‏ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ‏} [127]. ظَنُّوا أَنَّ هَذَا آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُمْ أَبِيُّ بْنُ كَعْبٍ‏: إِنَّ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِي بَعْدَهَا آيَتَيْنِ {‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏} إِلَى قَوْلِهِ {‏وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏} وَقَالَ‏: هَذَا آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ‏: فَخَتَمَ بِمَا فَتَحَ بِهِ، بِالِلَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ، وَهُوَ قَوْلُهُ {‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَا أَنَا فَاعْبُدُونِ‏} [الْأَنْبِيَاء: 25].
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أُبَيٍّ أَيْضًا، قَالَ‏: آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالِلَّهِ هَاتَانِ الْآيَتَانِ {‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏} وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ بِلَفْظ: أَقْرَبُ الْقُرْآنِ بِالسَّمَاءِ عَهْدًا‏.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏: آخَرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الِلَّهِ وَالْفَتْحُ}.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَاسْتَحِلُّوهُ.. الْحَدِيثَ‏.
وَأَخْرَجَا أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ الِلَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ‏: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَالْفَتْحِ.
قُلْتُ‏: يَعْنِي {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الِلَّهِ} ‏.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ الْمَشْهُور: بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الَاخْتِلَافَاتِ- إِنْ صَحَّتْ- بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَجَابَ بِمَا عِنْدَهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الَانْتِصَارِ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلٌّ قَالَهُ بِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ كُلًّا مِنْهُمْ أَخْبَرَ عَنْ آخِرٍ مَا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَوْ قَبْلَ مَرَضِهِ بِقَلِيلٍ، وَغَيْرُهُ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ هُوَ. وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ تَنْزِلَ هَذِهِ الْآيَةَ- الَّتِي هِيَ آخِرُ آيَةٍ تَلَاهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَعَهَا، فَيُؤْمَرُ بِرَسْمِ مَا نَزَلَ مَعَهَا بَعْدَ رَسْمِ تِلْكَ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ آخِرُ مَا نَزَلَ فِي التَّرْتِيبِ. انْتَهَى‏.
وَمِنْ غَرِيبِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ‏: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {‏فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ‏} الْآيَةَ [الْكَهْف: 110]، وَقَالَ‏: إِنَّهَا آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ‏.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ‏: هَذَا أَثَرٌ مُشْكِلٌ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا آيَةٌ تَنْسَخُهَا وَلَا تُغَيِّرُ حُكْمَهَا، بَلْ هِيَ مُثْبَتَةٌ مُحْكَمَةٌ‏.
قُلْتُ‏: وَمِثْلُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏: نَزَلَتْ هَذهِ الْآيَةُ {وَمِنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النِّسَاء: 93] هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ، وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ‏.
وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالنِّسَائِيِّ عَنْهُ‏: لَقَدْ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ، مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ‏.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ‏: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ هَذهِ الْآيَةُ {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 195] إِلَى آخِرِهَا‏.
قُلْتُ‏: وَذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ‏: «يَا رَسُولَ الِلَّهِ، أَرَى اللَّهَ يَذْكُرُ الرِّجَالَ وَلَا يَذْكُرُ النِّسَاءَ؟ فَنَزَلَتْ {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النِّسَاء: 32]. وَنَزَلَتْ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسَلَّمَاتِ} وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَهِيَ آخِرُ الثَّلَاثَةِ نُزُولًا، أَوْ آخِرُ مَا نَزَلَ بَعْدَ مَا كَانَ يَنْزِلُ فِي الرِّجَالِ خَاصَّةً‏».
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏: قَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ، فَارَقَهَا وَاللَّهُ عَنْهُ رَاضٍ».
قَالَ أَنَسٌ‏: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الِلَّهِ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ: {‏فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ الْآيَةَ} [التَّوْبَة: 5].
قُلْتُ‏: يَعْنِي فِي آخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ‏.
وَفِي الْبُرْهَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْن: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {‏‏قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا‏‏} [الْأَنْعَام: 145]. مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْحَصَّارِ بِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَلَمْ يَرِدْ نَقْلٌ بِتَأْخِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ نُزُولِ السُّورَةِ، بَلْ هِيَ فِي مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ وَمُخَاصَمَتِهِمْ وَهُمْ بِمَكَّةَ. انْتَهَى‏.
تَنْبِيهٌ: مِنَ الْمُشْكِلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [الْمَائِدَة: 3] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِعَرَفَةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَظَاهِرُهَا إِكْمَالُ الْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ قَبْلَهَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ السُّدِّيُّ، فَقَالَ‏: لَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، مَعَ أَنَّهُ وَارِدٌ فِي آيَةِ الرِّبَا وَالدَّيْنِ وَالْكَلَالَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ‏.
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ‏: الْأَوْلَى أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَإِجْلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ، حَتَّى حَجَّهُ الْمُسْلِمُونَ لَا يُخَالِطُهُمُ الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ أَيَّدَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏: كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ يَحُجُّونَ جَمِيعًا فَلَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ نُفِيَ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ، وَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ لَا يُشَارِكُهُمْ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؛ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ. {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}.